إن من بدأ المأساة ينهيها.. غيره

إن من بدأ المأساة ينهيها.. غيره

قال الدرويشُ وهو يراوغ ليتجنب الاعترافَ بالفشل (يبدو أن الرجل قد تَعَّلَمَ من أخطاء فترة حُكمه الأولى وبدأ يستشعر خطورتها .. أَلَم تلحظ تغييراً فى نبرة خطاباته فى الفترة الأخيرة بخصوص سد النهضة؟ وصمته عن الحديث عن صفقة القرن؟ ..إنه يتعلم .. فلنعطِه الفرصة ليكمل إنجازاته .. وليصلح فى فترته الثانية ما فَسَدَ فى الفترة الأولى .. فهو الأقدر على إصلاح أخطائه .. فإن مَنْ بَدَأَ المأساةَ يُنهيها). 

 

ذُهِلتُ من مُكابرة أولئك الدراويش من المتعلمين من مَلَأِ فرعون الذين ظَلُّوا على مدى أربع سنواتٍ يُضَّخِمون فى إنجازاته المُتَخَيَلَة .. ويتطاولون على كل من يُحَّذِر من الكوارث الواضحة وهى فى بداياتها .. ويشتركون مع كلاب السكك فى نَهْشِهم واتهامهم بالعمالة والخيانة .. فَلَّمَا اتسع الخَرْقُ على الراتق وأصبحت المصائبُ أكبر من أن تسترها كلُ مساحيق التجميل .. وأصبح لهيب الإنجازات يلسع معظمهم (مثلما يحرقنا) .. أخذتهم العِزَّةُ بالإثم واستكبروا أن يقولوها بصراحةٍ (لقد فَشَل) .. أىَّ إنجازاتٍ تلك التى يُرادُ له استكمالها؟

 

هناك خَلْطٌ عن جهلٍ أو زَيْفٍ بين مشاريع المحليات والوزارات وبين الإنجازات الرئاسية .. إن كوبرى أكتوبر وهو الشريان الرئيس فى العاصمة بُدئ فى بنائه فى عهد عبد الناصر واستُكمِل وسُمِّىَ فى عهد السادات وانتشر وتَمَدَّد  فى عهد مبارك .. لكنه لم يُعتبر فى يومٍ من الأيام أحدَ إنجازات أىٍ منهم .. ولم يُنسَب حتى لأىٍ من رؤساء الوزارات باعتباره من المشروعات الوزارية الروتينية .. وبالمثل طريقا الصعيد الغربى والشرقى لم يُعتبرا إنجازاً لمبارك (على أهميتهما) وإنما لوزراء لم نعد حتى نذكر أسماءهم .. كما أن تعمير الساحل الشمالى يُحسَبُ كإنجازٍ للوزير الكفراوى. 

 

إنَّ شَقَّ الطُرُق وتعلية المبانى والفنادق الفاخرة لا يحتاج إلى عبقرية زعيم وإنما إلى جهود مقاولٍ .. إنجازات الزعماء والأمم تتبدى فى إقامة نهضةٍ صناعيةٍ أو زراعيةٍ أو صحيةٍ أو تعليميةٍ أو تحقيق نصرٍ عسكرىٍ خارجىٍ أو إشاعة سلامٍ داخلىٍ أو ترسيخ دولة القانون والحريات .. فهل سار الرجلُ خطوةً واحدةً فى أىٍ من هذه المسارات حتى يُرتَجى منه إكمالُها؟

 

هذا عن الإنجازات .. أما الكوارث التى يريدوننا أن نصبر عليه ليعالجها، فهو المتسبب الوحيد فيها لأنه الذى تَفَّرَدَ بالرأى والقرار معتمداً على ما استقر فى وعيه (وما زينتموه له) من أنه طبيب الفلاسفة .. إنه هو  لا غيره .. أول من أطلق لفظ صفقة القرن وهو فى حَضرة ترامب .. ولم يُكَّلِف نفسه بأن يشرح لشعبه تفاصيل هذه الصفقة التى اتفق عليها .. مع أنها ليست صفقةً تجاريةً تَخُصُّه هو أو أسرته .. وإنما تخص شعباً عريقاً صار يتلقط أخبارها من الصحافة العالمية .. ومن ألسنة وزراء إسرائيل .. وولى عهد السعودية الذى صَرَّح بأنَّ مصر وَقَّعَت معه اتفاقاً بخصوص مشروعه المُسَّمى (نيوم) منذ عامٍ ونصف! 

 

أَىُّ مصر التى وَقَّعَت؟ إنَّه هو الذى وَقَّع  منفرداً دون أن تَعلَم مصر شيئاً .. وهو الذى فرَّط فى تيران وصنافير وعَبَث بأحكام القضاء .. ونَكَّلَ (ولا يزال) بمن اعترض .. وهو  لا غيره .. الذى وقع اتفاقية إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة .. وهو  لا غيره .. الذى أغرق مصر فى الديون ثم أهدرها فى مشروعاتٍ بلا جدوى .. وأصلُ كل هذه الكوارث وغيرها هو تَفَّرُدُه بالقرار .. وهو ما لا يوجد دليلٌ واحدٌ على أنه قد عَدَلَ أو سيعدل عنه .. فمَنْ شَبَّ على شئٍ شابَ عليه ..  إنَّ الأوطان ليست ساحاتٍ يتعلم فيها الرؤساء، وإنما هم أُجَرَاءُ عند شعوبهم يجددون التعاقد معهم إذا أجادوا ويستبدلونهم إذا فشلوا.

 

نَعَم قال نزار قبانى بصوت نجاة:

أنا أُحِّبُك حاولْ أن تساعدنى ….. فإن مَن بدأ المأساة ينهيها

وإنَّ مَنْ فَتَحَ الأبوابَ يُغلقُها ….. وإنَّ مِنْ أشعَلَ النيرانَ يُطفيها

 

وذلك قولٌ جائزٌ فى مجال الغَزَل والعشق والهوى .. أمَّا فى مجال الإدارة فإن القيادة التى قادت إلى الفشل لا يُمكن أن يُوكَل إليها مهمة الخروج منه .. وإن من بدأ المأساة لا يُنهيها .. وإنما يجب أن يتنحى أو يُنَّحى ليأتى غَيْرُهُ ليعالج آثارها.